الإثبات في جريمتي الخيانة الزوجية و الفساد في التشريع الجنائي المغربي.

مقدمة
جاء تجريم جريمتي الفساد والخيانة الزوجية في الفصلين 490 و 491 من القانون الجنائي المغربي فنص الفصل 490 على أن
" كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنـة".
أما الفصل 491 فينص على أنه " يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليـه ".
ويستخلص من الفصلين السابقين، أن المشرع اشترط شرط قيام العلاقة الزوجية معيارا للتمييز بين جريمة الفساد وجريمة الخيانة الزوجية، كما ربط متابعة الزوج الخائن بناء على تقديم شكاية من الزوج الضحية . أما متابعة المشارك فى الخيانة الزوجية لا يشترط فيها تقديم الشكاية سواء أكان المتهم متزوجا أو غير متزوج.
و إذا كان الأصل في الإثبات الجنائي هو حرية القاضي في اعتماد وسيلة الإثبات التي يراها مناسبة، و بالتالي فلم يفرض عليه المشرع الجنائي وسيلة محددة ولم يمنعه من الأخذ بدليل أخر، فله أن يثبت الجريمة بـأي وسيلة من الوسائل الإثبات المشار إليها في المادة 286 من قـانون المسطرة الجنائية المغربي .
إلا أن الملاحظ هو أن المشرع الجنائي خرج عن هذه القاعدة في الفصل 493 من القانون الجنائي بخصوص ن جريمتي الخيانة الزوجية و الفساد حيث نصت على أن " لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة تلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي".
و بناء عليه يكون المشرع و حرصا منه على الشرعية الجنائية قد حد حرية القاضي في إثبات الجريمتين السالفتي الذكر ، بحيث لا يمكن إثباتهما إلا بإحدى الوسائل المحدد في الفصل المشار اليه اعلاه و بالتاي لا يمكن أن يبني حكمه بالإدانة إلا بناء على إحدى وسائل الثلاثة التالية :
1 – حالة التلبس: أي معاينة وقائع الجريمة من طرف أحد ضباط الشرطة القضائية، عمليـا يصعب ضبط هذا النوع من الجرائم في حالة التلبس فغالبا ما تقترف داخل أماكن تكون مغلقة.
2– اعتراف كتابي : و يعني المكاتب و المراسلات التي تصدر عن المتهم في شكل كتابات أو رسائل يعترف فيها بـأنه ارتكب إحدى الجريمتين .
موقف القضاء المغربي من وسائل الإثبات االمنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي.
1) موقف القضاء من حالـة التلبــس
يتضح من خلال العمل القضائي ان القاضي على المحضر المحرر من طرف ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس لإثبات الجريمتين المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 من القانون الجنائي المغربي .وذلك نظرا لطبيعة الجريمة المرتكبة ، حيث لا يمكن معاينة الفاعل وهو يمارس العلاقة الجنسية غير شرعية ، كما لا يمكن الاستناد إلى صياح الجمهور للقول بـأن الجريمة قد ارتكبت، وعليه فان الصورة الوحيدة لتحقق حالة التلبس هي معاينة ضابط الشرطة القضائية الجاني وهو في ظروف لا تدع مجالا للشك في أنه ارتكب بالفعل الجريمة ، وحتى في هذه الحالة فان المعاينة تنصب على الآثار و العلامات الموجودة بالمتهم لا معاينة الأفعال المكونة للجريمة لصعوبة ذلك .غير أن الآثار و العلامات ، وكوجود المتهمين مجردين من لباسهما أو في لباس النوم والخلوة أو استعمال المتهمة لأدوات التجميل ولنا هنا أمثلة لبعض قرارات المجلس الأعلى بخصوص حالة تلبس
المثال الأول : محكمة الاستئناف بمدينة مراكش تقيدت بدورها بالمفهوم الصحيح لتحقق حالة التلبس المنصوص عليها في الفصل 58 من قانون المسطرة الجنائية حينما قضت " بان دخول الغريب إلى بيت الزوجية وإغلاق الباب عليه من طرف الزوج إلى حين حضور ضابط الشرطة القضائية ، وضبطه مختفيا في إحدى الغرف لا يعد تلبسا ولا يفيد بـأن الجريمة قد تحققت"
المثال الثاني: المحكمة الابتدائية بمدينة الصويرة5 توسعت شيئا ما في تفسير حالة التلبس و قضت بإدانة المتهمة بالمشاركة في الخيانة الزوجية حيث استندت في ذلك على محضر الشرطة القضائية الذي يفيد بـأنها ضبطت المتهم والمتهمة، بمنزل الغير، وهما في لباسهما الداخلية، وكانت هذه المتهمة مستعملة لوسائل التجميل والزينة، الأمر الذي يدل على وجود آثار أو إمارات المشاركة في جنحة الخيانة الزوجية.
المثال الثالث : حيث ايد المجلس الأعلى حكم محكمة الموضوع القاضي بالإدانة واعتبره مبني على أسس قانونية و دلك في قضية اعتمد فيها قاضي الموضوع على محضر رجال الدرك الذي يفيد بـأنهم وجدوا الزوجة والطاعن مجردين من ثيابهما في غرفة النوم ، الأمر الذي يفيد أن المتهم الذي ضبط بمنزل الغير، توجد عليه آثار تثبت مشاركته في جنحة الخيانة الزوجية.
و عموما إن الموقف القضائي المغربي الذي يعوزه السند القانوني مرده صعوبة إثبات هذا النوع من الجرائم عن طريق التلبس نظرا لظروف و طبيعتها ارتكابها، هذه الصعوبة . و بالتالي فان المجلس الأعلى حدد المقصود بمفهوم التلبس بالخيانة الزوجية أو الفساد فصرح بـأن محضر الشرطـة الذي يستفاد منه أن المتهمين كانا في خلـوة تامـة ولم يشر بتاتا إلى مشاهدة المتهميـن وهما في حالة تلبس بالجريمة بمفهوم الفصل 58 من قانون المسطرة الجنائية لا يجوز الاعتماد عليه في الحكم بالإدانة1 ، كما أكد في قرار ثان2 " بان المحضر الذي يعتد به لإثبات الجريمة هو المحضر الذي يحرره أحد ضباط الشرطـة القضائية في حالة التلبس لا المحضر المرتكز على شهادة الشهود الذين صرحوا بـأن المتهمين وجـدوا في خلوة .
2 ) موقف القضاء من الاعتراف الكتابي:
و يقصد به أو الأوراق المكاتب المتضمنة لإقرار المتهم ،و إقرار هو الاعتراف المتهم بارتكابه الفعل الجرمي المنسوب إليه والاعتراف الكتابي هو اعتراف غير مباشر، لان المتهم لا يدلي بتصريحاته مباشرة ، بل يتم بالكتابة في رسالة أو أي مكتوب .
و اعتبر المشرع المغربي في لفصل493 م القانون الجنائي ان الأوراق و المكاتب الصادرة عن المتهم والمتضمنة لاعترافه أدلـة لإثباتها.
وقد استقر القضاء المغربي على اعتبار محضر الضابطة القضائية المتضمن للاعتراف والموقع من طرف المتهم بمثابة مكاتب أو أوراق صادرة عنه ، ففي قرار للمجلس الأعلى أكد فيه إلى أن "الاعتراف المحرر من لدن الضابطة القضائية والموقع عليه من طرف صاحبه ينزل منزلة اعتراف تضمنته مكاتب وأورا ق صادرة عن الفاعل فى اثباث ارتكاب الخيانة الزوجية أو المشاركة فيها " و يستفاد من هذا القرار آن الاعتراف الصادر أمام الشرطة القضائية المد يل بتوقيع المتهم وحده يكفي للحكم بالإدانة إذ اعتبره المجلس الأعلى بمثابة الاعتراف الذي تتضمنه الأوراق أو المكاتب الصادرة عن المتهم.
3) موقف القضاء من لاعتراف القضائي:
اعتبر الفقه الجنائي المغربي على أن المقصود بالاعتراف القضائي هو الإعتراف الذي يصدر عن مرتكب احدى الجريمتين أمام قضاء الحكم اثناء سير إجراءات المحاكمة . اما الاعتراف الصادرعن المتهم أمام قاضي التحقيق ففيه اختلاف فقهي بين من اعتبره انه اعتراف غير قضائي كالاستاذ أحمد الخمليشي في حين يرى اخرون خلاف ذلك ويعتبرون الاعتراف الصادرعن المتهم أمام قاضي التحقيق اعترافا قضائيا و يرجعون ذلك لكون قاضي التحقيق يتم اختياره من بين قضاة الحكم فهو قـاض مستقل لا يخضع للتسلسل الرئاسي الذي تخضع له النيابة العامـة ، والتحقيق يتم بحضور محامي المتهم وبحضور كاتب الضبط ، فهذه الضمانات تحفظ للمتهم حقوقه المسطرية ، و من المستبعد أن يمارس عليه الإكراه خلال مرحلة التحقق . أما الاعتراف الغير القضائي فهو الذي يصدر خارج اطوار المحاكمة ، كأن يتم أمام الضابطة القضائية.
وللاعتراف القضائي قوة ثبوتية قوية ذلك لأنه يصدر طوعيـا وإراديا من المتهم أمام قضـاة الحكم، فهذا الأخير يقر بالمنسوب إليه و هو محاط بجميع الضمانات القانونية كعلنية الجلسة و مؤازرة المحام . ..الخ، ،و هذا ما سارت عليه محكمـة الاستئناف بمدينة الرباط " وحيث أن الاعتراف تـأكد قضائيا عند مثـولـه أمـام الهيئـة الحاكمـة وحيث أن هـذا الاعتراف يعتد به لوقوعه طواعية من المتهم خلال المرحلة القضائية المفعمة بالضمانات منها حضور الدفاع لمؤازرة موكلـه...".
تعليقات
إرسال تعليق